top of page

أمين نخلة

أمين نخلة (25 يوليو 1901 - 1976) شاعرٌ وأديبٌ لبناني، له آثارٌ شعريةٌ غنية، وأعمالٌ أدبيةٌ غزيرةٌ في التاريخ، وفقه اللغة، وخاطرات الوجدان. وكان من الشخصيات الأدبية والسياسية اللامعة التي زهت بها الأوساطُ الأدبيةُ في لبنان و البلادِ العربيةِ زمناً.

تعليمه وحياته العملية
عندما بلغ أمين نخلة سِنَّ الدراسة، أرسله أبوه إلى مدرسةٍ في دير القمر. وبعد ذلك انتقلَ إلى الكلية البطريركية في بيروت، وأكملَ دراسته فيها ثُمَّ ذهبَ إلى دمشق ودخلَ كليةَ الحقوق وحصلَ على الليسانس، ثُمَّ تابع دراسته في الجامعة اليسوعيةِ في بيروت حيثُ نالَ شهادة الليسانس مرة أخرى في العلوم الإدارية.

حصلَ على وظيفة جيدة في مكتب الحاكم العام الفرنسي لكنهُ رفضها وانصرفَ للمحاماه، ومارسَ الصحافة ونظمَ مقطوعات من الشعر المصقول باللفظ والنغم، وانتُخِبَ نائباً عن منطقة الشوف في المجلس النيابي اللبناني عام 1947، وشغلتهُ شؤون المحاماة والسياسة فعكف على وضع مؤلفات في القانون أكسبتهُ شهرة في التّدقيق والتّحقيق تُضاهي شهرته في التّدقيق اللغوي والتي فتحت أمامه عضوية المجمع العلمي العربي في دمشق، ولمع نجمه وذاع اسمه في الأوساط السياسية إضافة لمكانته الأدبية كشاعر رقيق وقد أعلن ترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية، وزارَ عدة أقطار عربية لطلب دعم محبيه واصدقائه من ساسة وأمراء وحكام ثم أحجم عن التّرشيح في اللحظة الأخيرة.

وفاته
عكف أمين نخلة في أواخر حياتِه على ذكرياته، وانطوى على أوجاعه مع رفيقةِ حياتِه، وأصيبَ بنزف في الدماغ أدى إلى فقدانِهِ الذاكرة، وتفرقَ عنه أصحابُه ومعيدوه تدريجياً، إلى أن مات في صمت، من غير وداع ولا تأبين وذلك في 13 من شهر مايو عام 1976 في بيروت عن عمر ناهز 75 عام، ودُفِنَ في بلد أجداده في باروك لبنان. وقد خططت لتأبينه حفلتان ألغيتا في اللحظة الأخيرة أولهما على إثر إغتيال كمال ناصر وجماعته بيد المخابرات الإسرائيلية، والثانية بسبب نشوب الحرب الأهلية في لبنان عام 1975.

شعره
يمتاز شعر أمين نخلة بالعذوبة والرقة وكان له صدى في الأوساط الأدبية والشعرية. وزاد ذلك لما له من علاقات مع كبار شعراء عصره في مصر و لبنان و سورية و العراق وقد ذكر في بعض مؤلفاته أن أمير الشعراء أحمد شوقي رشحه ليكون أميراً للشعراء بعده.

اغراضة الشعرية 
في الجمال الإنساني

يتّخذ نخلة من المرأة موضوعًا لشعره، وهو يهتمّ بالجمال الخارجي وتفاصيله أكثر من الداخلي، فيصف ما تقع عليه الحواس، ويتناول التفاصيل الجميلة، ويحوّل المجرّد إلى محسوس. وإذا ما استثنينا قصيدته «في رأس العين» التي نظمها في مرحلة الصبا وتطغى عليها الرومنطيقية، فإنّ غزل أمين نخلة هو غزل حضري، ابن عصره وبيئته، ينصبّ على جسد المرأة وأجزائه والثياب وألوانها والمكياج والزينة، ولا يقف على أطلال لم تعد موجودة أو يهوى حبيبة واحدة ما عاش ويتبع صداه صداها بين الأقبر إن مات، على حدّ تعبير الشاعر العذري. لذلك، نراه يتوقّف عند تفاصيل صغيرة تثير شعريته، كخطّ الكحل في عين الحبيبة، والعقد المتدلّي على صدرها، والوردة الواردة منها، والأظفار المطليّة بالأحمر، وهو يتّخذ من الطبيعة معجمًا للتعبير عن المرأة، ي     تاح منه مفردات وصورًا يخلعها عليها أو يرى إليها بمنظار الطبيعة الريفية يقول في وصف ثوب الحبيب:


خلع الربيع عليه شرخ شبابه ومضى يفتّش عن شباب ثاني

ويصوّر الأظافير المطلية بالقول:


لم يسقط الوردُ عن أغصانِ روضتِهِ                     إلّا لينبتَ في تلك الأظافيرِ 


هكذا، المرأة في شعر أمين نخلة، حبيبةً وغيرَ حبيبة، طبيعةٌ غنّاء، فهو فيها يطبعن الإنساني، كما يؤنسن الطبيعي في شعر الطبيعة. فالطبيعة عنده امرأة جميلة أيضاً.

في الجمال الطبيعي
يتّخذ نخلة من جمالات الطبيعة المرئية (الضياء) والمسموعة (البلبل) والزمنية (عودة الربيع، نيسان) والمكانية (الدوحة). موضوعات لشعره؛ ويتناولها بالوصف الحي، في تفاعلها مع الإنسان/الشاعر أو سواه، مبرزًا هذا التناغم الجدلي بين الإثنين، يؤنسن الطبيعة ويطبعن الإنسان، في إحالةٍ، ربّما، على وحدة الوجود من خلال وحدة الموجودات. يؤنسن الطبيعة كما في قوله:


يا نرجسًا نعسان من وَلَهٍ: قمْ من فراش الغُنج، غازلْنا 

ويطبعن الإنسان بالقول:


خلع الربيع عليه شرخَ شبابهِ ومضى يفتّشُ عن شبابٍ ثاني 

أما الطبيعة فقد أوحت إليه بكثير من شعره ونثره، وأفرد لها كتاباً عنوانه «المفكرة الريفية» وكان يتميز بجمال أسلوبه وأناقته، وفيه يستعيد صورة يومية يزخر بها الريف ببساطة وعفوية. ومن نثره في كتابه قوله:


( ألف رغيف يدخل فرن الضيعة،

وألف رغيف يخرج منه،

يا حبيبة،

فلا والله ما رأت عيني رغيفاً قد إحمر كخدك،

ولا رأت 
عيني رغيفاً قد احترق كقلبي ).

في الجمال الفني
يتّـخذ نخلـة مـن فنـون المـوسيقى والغنـاء والخـطّ والـرسم، مـوضوعـاتٍ لشعـره، فيـصف صوت المغنّي أو عزف العازف أو خطّ الخطّاط أو رسم الرسّام. وإذا كان في وصف الجمال، الإنساني أو الطبيعي، يقف وجهًا لوجه أمام النسخة الأولى للجمال، فإنّه، في مقاربة الجمال الفنّي، هو إزاء نسخة ثانية صادرة عن الأولى في تمظهرها الإنساني. هنا، نراه أمام جمالٍ مصنوع لا جمال مطبوع. 


وهو، في هذه المقاربة، يتكشّف عن ثقافةٍ فنية واضحة، وقدرة على التذوّق والاستمتاع عالية. يصف غناء محمد عبد الوهاب وأثره في سامعيه بهذين البيتين اللذين تمتزج فيهما الحواس، فيجعل ما يُسمع بالأذن يُلمس باليد ويُرى بالعين:


حنجرةٌ كالحرير لانَتْ ربّك في لطفها يزيدُ 
إن مسّها اللفظ عاد حلواً، عليه من وشيها يرودُ

في الجمال الاجتماعي
نحن إزاء ثلاث دوائر تتدرّج في اتساعها، بدءًا من الدائرة الأُسَرِية التي يتناولها في قصائد يُظهر فيها عواطفه الحفيدية (لجدّته)، والبنوية (لأبيه)، والأبوية (لإبنه ولابنته)، وهي عواطف صادقة، مرورًا بالدائرة الإخوانية التي تتراوح بين: الإهداء، والشكر، والتهنئة، والتكريم، والترحيب، والتصدير، والتذكّر، والتراسل. وعلى الرغم من أن قصائد هذه الدائرة هي قصائد مناسبات، فإنّ الشاعر عَرِفَ كيف يرتقي بالمناسبة ليجعل منها مادّة شعرية، وإن كانت جرعة الجمالية هي أعلى في قصائد المرأة والطبيعة التي يجري فيها الشاعر على رسله، متحلّلاً من الإعتبارات الإجتماعية والعلاقات الإخوانية التي تملي عليه الكتابة، فما يكتبه حُرًّا، مختارًا، متفاعلاً مع الجمال، على أنواعه، هو أعلى شعرية من ذاك الذي يكتبه ممتثلاً لاعتبارات معيّنة.

على أن الدائرة الأوسع في شعره الإجتماعي هي تلك التي يرثي فيها نخلة أصدقاء ولِداتٍ وأحبّة ورفاقًا:


لي فيهم صاحبٌ، أو لِدَةٌ، أو حبيب النفس، أو إلف الصّباءْ 

أجمل أبياته الشعرية
أُحبُكَ في القنوطِ


أُحبُكَ في القنوطِ , وفي التَمني
كاني منك صرتُ, وصرتِ مني
أحِبُكَ فوق ماوسعت ضلوعي
وفوق مدى يدي, وبلوغ ظَني 
هوى مُترنحُ الأعطاف, طلقٌ
على سهل الشباب المطمئنِ
أبوحُ إذن , فهل تدري الدوالي
بأنك أنت إقداحي , ودني؟

الشلال


يطاول الهضب، يا عمود الماء،
وتمايل بالقامة الهيفاء.
يا أبا الأخضر المخطط في السهل،
كتخطيط معطف الحسناء!
يا أبا الأزرق المصفق في النهر،
لرقص الشعاع في الأفياء!
منة أنت من حياة، وخصب،
سقطت من عل على الأوداء.
تنسج الخصب للمروج وداء،
ليت لي منك فضل ذاك الرداء...
وأنا ابن الغمام، مخضوضر الذهن،
وإن كنت ساكن الصحراء!

 

bottom of page