top of page

ابن الرومي

هو أبوالحسن علي بن العباس بن جريج ،وقيل جورجيس، المعروف بابن الرومي شاعر من شعراء القرن الثالث الهجري في العصر العباسي.

 

مولده

ولد بالعقيقة في بغداد (2 رجب 221هـ - 283هـ).

 

كان ابن الرومي مولى لعبد الله بن عيسى، ولا يشكّ أنّه رومي الأصل، فإنّه يذكره ويؤكّده في مواضع من ديوانه. وكانت أُمّه من أصلٍ فارسي، وهي امرأةُ تقيةٌ صالحةٌ رحيمة، كما هو واضحٌ من رثائِه لها.

 

ابن الرومي شاعرٌ كبير من العصر العباسي، من طبقة بشار والمتنبي، شهِدت حياتهُ الكثيرَ مِنَ المآسي والتي تركت آثارها على قصائدِه، تنوعت أشعارُه بين المدح والهجاء والفخرِ والرثاءِ، وكان من الشعراءِ المتميزين في عصرِه، وله ديوان شعر مطبوع.

 

قال عنه طه حسين «نحن نعلم أنه كان سيء الحظ في حياته، ولم يكن مُحبباً إلى الناس، وإنما كان مبغضاً إليهم، وكان مُحسداً أيضاً، ولم يكن أمره مقصوراً على سوء حظه، بل ربما كان سوء طبيعته، فقد كان حاد المزاج، مضطربه، معتل الطبع، ضعيف الأعصاب، حاد الحس جداً، يكاد يبلغ من ذلك الإسراف»

 

قال ابن خلكان في وصفه: «الشاعر المشهور صاحب النظم العجيب والتوليد الغريب، يغوص على المعاني النادرة فيستخرجها من مكانها ويبرزها في أحسن صورة ولا يترك المعنى حتى يستوفيه إلى أخره ولا يبقي فيه بقية».

 

حياته

هو أبو الحسن علي بن العباس بن جريج وكنيته ابن الرومي نسبة لأبيه، ولد ببغداد عام 221هـ - 836م، وبها نشأ، كان مسلماً موالياً للعباسيين، ومما قاله في الفخر بقومه:

قوْمي بنو العباسِ حلمُهمُ حِلْمي هَواك وجهلُهُم جهلي

نَبْلي نِبالُهُمُ إذا نزلتْ بي شدةٌ ونِبالُهم نَبلي

لا أبتغي أبداً بهم بدلاً لفَّ الإلهُ بشملهم شملي

 

اخذَ ابن الرومي العلم عن محمد بن حبيب، وعكف على نظم الشعر مبكراً، وقد تعرضَ على مدار حياته للكثير من الكوارث والنكبات والتي توالت عليهِ غير مانحة إياه فرصة للتفاؤل، فجاءت أشعاره انعكاساً لما مر به، وإذا نظرنا إلى تاريخ المآسي الذي مر به نجد انه ورث عن والده أملاكاً كثيرة أضاع جزءً كبير منها بإسرافه ولهوه، أما الجزء الباقي فدمرتهُ الكوارث حيث احترقت ضيعته، وغصبت داره، وأتى الجراد على زرعه، وجاء الموت ليُفرط عقد عائلته واحداً تلو الآخر، فبعد وفاة والده، توفيت والدته ثم أخوه الأكبر وخالته، وبعد أن تزوج توفيت زوجته وأولاده الثلاثة.

 

شعره

عاصر ابن الرومي عصور ثمانية من الخلفاء العباسيين، وكان معظمهم يرفضون مديحه ويردون إليه قصائده، ويمتنعون عن بذل العطايا له، مما قاله في ذلك:

قد بُلينا في دهرنا بملوكٍ أدباءٍ عَلِمْتُهمْ شعراءِ

إن أجدنا في مدحِهم حسدونا فحُرِمنا منهُمْ ثوابَ الثناءِ

أو أسأنا في مَدْحهم أنَّبونا وهَجَوْا شعرَنا أشدَّ هجاءِ

قد أقاموا نفوسَهم لذوي المدْحِ مُقامَ الأندادِ والنُّظراءِ

 

تميز ابن الرومي بصدق إحساسه، فأبتعد عن المراءاة والتلفيق، وعمل على مزج الفخر بالمدح، وفي مدحه أكثر من الشكوى والأنين وعمِلَ على مشاركة السامع له في مصائبه، وتذكيره بالألم والموت، كما كان حاد المزاج، ومن أكثر شعراء عصره قدرة على الوصف وابلغهم هجاء، أبحر في دروب الشعر المختلفة، فجاءت أشعاره مبدعة في الحركة والتشخيص والوصف، واعتنى بالموسيقى والقافية.

 

عرف ابن الرومي بإجادته الكثير من الأشكال الشعرية والتي جاء على رأسها الهجاء، فكان هجاؤه للأفراد قاسي يقدم الشخص الذي يقوم بهجاؤه في صورة كاريكاتورية ساخرة مثيرة للضحك. قال عنه المرزباني «لا أعلم أنه مدح أحداً من رئيس أو مرؤوس إلا وعاد إليه فهجاه ولذلك قلت فائدته من قول الشعر وتحاماه الرؤساء».

 

قال في وصف البحتري:

البُحْتُريُّ ذَنُوبُ الوجهِ نعرفُهُ وما رأينا ذَنُوبَ الوجه ذا أدبِ أَنَّى يقولُ من الأقوال أَثْقَبَهَا من راح يحملُ وجهاً سابغَ الذَنَبِ أوْلى بِمَنْ عظمتْ في الناس لحيتُهُ من نِحلة الشعر أن يُدْعَى أبا العجبِ وحسبُه من حِباءِ القوم أن يهبوا له قفاهُ إذا ما مَرَّ بالعُصَبِ ما كنت أحسِبُ مكسوَّاً كَلحيته يُعفَى من القَفْدِ أو يُدْعى بلا لقبِ

 

قام ابن الرومي بمدح أبي القاسم الشطرنجي، والقاسم بن عبد الله وزير المعتضد، وأجاد ابن الرومي في وصف الطبيعة، وتَفوقَ في هذا عن غيره مِنَ الشعراء، وقد تفاعل وجدانياً مع عناصرها وأجوائها، فقام بالتعبير عنها ومن خلالها، وأغرم بها.ومما قاله في وصفها:

 

ورياضٍ تخايلُ الأرض فيها خُيلاء الفتاة في الأبرادِ ذات وشيْ تناسَجَتْهُ سوارٍ لَبقاتٌ بحْوكِه وغوادِ شكرتْ نعمةَ الوليِّ على الوسْمِيِّ ثم العِهاد بعد العِهادِ فهي تُثني على السماء ثناء طيِّب النشر شائعاً في البلادِ

 

وجاءت حكمة ابن الرومي كنتيجة منطقية لمسيرة حياته، فقال:

عدوُّكَ من صديقك مستفاد فلا تستكثرنَّ من الصِّحابَ فإن الداءَ أكثرَ ماتراهُ يحولُ من الطعام أو الشرابِ إذا انقلبَ الصديقُ غدا عدواً مُبيناً والأمورُ إلى انقلابِ

 

أبدعَ ابن الرومي في الرثاء وذلك نظراً لما عاناه في حياته من كُثرة الآلام والكوارث التي تعرض لها، وكان رثاؤه الذي قاله في ابنه الأوسط يُعبر عن مدى الألم والحزن في نفسه، كما له رثاء في «خراب البصرة»، ومما قاله في رثاء أبنه:

 

أبُنَيّ إنك والعزاءَ معاً بالأمس لُفَّ عليكما كفنُ فإذا تناولتُ العزاءأبى نَيْلِيه أن قد ضمَّه الجُننُ أبُنيّ إن أحزنْ عليك فلي في أن فقدتُك ساعةً حزنُ وإن افتقدت الحُزن مفتقِداً لُبِّي لفقدِك للحَرِي القَمِنُ بل لا إخال شجاك تَعْدَمُه روحٌ ألمَّ بها ولا بَدنُ

 

وفاته

توفي ابن الرومي مسموماً ودفن ببغداد عام 283هـ - 896م، قال العقاد «أن الوزير أبا الحسين القاسم بن عبيد الله بن سلمان بن وهب، وزير الإمام المعتضد، كان يخافُ من هجوهِ وفلتات لسانه بالفحش، فدس عليه ابن فراش، فأطعمه حلوى مسمومة، وهو في مجلسه، فلما أكلها أحس بالسم، فقال له الوزير: إلي أين تذهب؟ فقال: إلي الموضع الذي بعثتني إليه، فقال له: سلم على والدي، فقال له: ما طريقي إلي النار.

 

أجمل أبياته الشعرية

ضحك الربيعُ إلى بكى الديم

 

ضحك الربيعُ إلى بكى الديم                                      وغدا يسوى النبتَ بالقممِ

من بين أخضرَ لابسٍ كمماً                                        خُضْراً، وأزهرَ غير ذي كُمَم

متلاحق الأطراف متسقٌ                                           فكأنَّه قد طُمَّ بالجَلم

مُتَبلِّجِ الضَّحواتِ مُشرِقها                                           متأرّجُ الأسحار والعتم

تجد الوحوشُ به كفايتَها                                             والطيرُ فيه عتيدة ُ الطِّعَم

فظباؤه تضحى بمنتطَح                                             وحمامُه تَضْحِي بمختصم

والروضُ في قِطَع الزبرجد                                       والـياقوتُ تحت لآلىء ٍ تُؤم

 

دعِ اللَّومَ إن اللَّومَ عونُ النوائِبِ

 

دعِ اللَّومَ إن اللَّومَ عونُ النوائِبِ                                 ولا تتجاوز فيه حدَّ المُعاتِبِ

فما كلُّ من حطَّ الرحالَ بمخفِقٍ                                  ولا كلُّ من شدَّ الرحال بكاسبِ

وفي السعي كَيْسٌ والنفوسُ نفائسٌ                              وليس بكَيْسٍ بيعُها بالرغائبِ

وما زال مأمولُ البقاء مُفضّلاً                                    على المُلك والأرباحِ دون الحرائبِ

حضضتَ على حطبي لناري فلا تدعْ                        لك الخيرُ تحذيري شرورَ المَحاطبِ

وأنكرتَ إشفاقي وليس بمانعي                                   طِلابي أن أبغي طلابَ المكاسبِ

 

خير ما استعصمت به الكفّ عضبٌ

خير ما استعصمت به الكفّ عضبٌ                          ذكَرٌ حدُّهُ،أَنيثُ المَهَزِّ

ما تأملته بعينيك إلاأُرعِدتْ                                        صفحتاهُ من غير هز

ليست من العبّس الاكف                                            ولا الفلح الشفاه ، الخبائث العرق

مثلُهُ أفزَع الشجاع إلى الدرع                                     فغالَى بها على كل بزِّ

ما يبالى أصممت شفرتاه                                           في مَحزٍّ أم جارتا عن محزِ

 

ودائعَهُمْ إلا لكي لا تُضيَّعا

 

ودائعَهُمْ إلا لكي لا تُضيَّعا                                         بناتُ المنايا والحنُّى الموترُ

لها ألسنٌ ما تستفيق لهاتُها                                         فلو أبصرتْ عيناك يوماً مُقامنا

bottom of page