top of page

امرؤ القيس

مقدمة

امرؤ القيس بن حُجر بن الحارث الكندي (520 م - 565 م) كان شاعرا عربيًا جاهليًا عالي الطبقة من قبيلة كِندة، يُعّد رأسُ شعراءِ العرب وأعظمُ شعراءِ العربِ في التاريخ يُعرف في كتب التراث العربية باسم « الملك الضِّليل» و» ذي القروح».

 

نشأته

ولد في بطن عاقل في نجد ونشأ ميالا إلى الترف واللهو شأنة أولاد الملوك وكان يتهتك في غزله ويفحش في سرد قصصه الغرامية، وهو يُعتبر من أوائل الشعراء الذين ادخلوا الشعر إلى مخادع النساء. كان كثيرَ التسكع مع صعاليك العرب ومعاقرًا للخمر.

 

سلك امرؤ القيس في الشعر مَسلكاً خالف فيه تقاليد البيئة، فاتخد لنفسه سيرة لاهية تأنفها الملوك التزم نمط حياة لم يرق لوالده فقام بطرده ورده إلى حضرموت بين أعمامه وبني قومه أملا في تغييره. لكن استمر في ما كان عليه من جنون وأدام مرافقة صعاليك العرب وألِف نَمَطَ حياتهم من تسكع بين أحياء العرب والصيد والهجوم على القبائل الأخرى وسلب متاعها.

 

شعره

ديوان شعر ضمّ بين دفتيه عددًا من القصائد والمقطوعات التي جسّدت في تاريخ شبابه ونضاله وكفاحه. وعلى الرغم من صغر ديوان شعره الذي يضمّ الآن ما يقارب مئة قصيدة ومقطوعة إلا أنَهُ جاء شاعرًا متميزًا فتح أبواب الشعر وجلّى المعاني الجديدة ونوّع الأغراض واعتبره القدماء مثالًا يُقاس عليه. ولذلك فقد عني القدماء بشعره، واحتفوا به نقدًا ودراسة وتقليدًا، كما نال إعجاب المحدثين من العرب والمستشرقين، فأقبلوا على طباعته منذ القرن التاسع عشر في سورية ومصر وفرنسا وألمانيا وغيرها من البلدان التي تهتم بشؤون الفكر والثقافة.

وفاة والده

قُتِلَ والد امرؤ القيس (حجر) على يدِ بني أسد، فأخذ شاعرُنا على عاتقِهِ الثأرَ لمقتلِ والده رغم أنه لم يكن أكبر إخوته، وكان لمقتل والده أعظمُ الأثر في نفسه حيث شعر بعِظَم وثِقَلِ المسؤوليّة على عاتقه، وقيل بأنه هو الوحيد من إخوته لم يجزع أو يبكِ لمقتل أبيه، وعند تلقيه للخبر كان قد انتهى من لهوِهِ وسُكرِهِ، وأخذ يردد:

ضيعني صغيراً، وحملني دمه كبيراً

 لا صحو اليوم ولا سكر غداً

 اليوم خمر وغداً أمر

 

وارتدى رداء الحرب وانطلق ينشد الأخذ بالثأر، حيث قام بالتوجه إلى بني أسدٍ فجزعوا منه وحاولوا استرضاءه، لكنه أبى فقاتلهم وأثخن جراحهم حتى فاحت رائحة الجثث.

 

قصة زواجه

قيل أن امرؤ القيس حلف يميناً ألا يتزوج امرأة حتى يسألها عن ثمانية وأربعة واثنتين فجعل يخطب النساء.

 

فإذا سألهن عن هذا قُلن أربعة عشر . فبينما هو يسير في جوف الليل إذ برجل ومعه ابنةً له كأنها البدر في ليل تمامه ، فأعجبته فقال لها : يا جارية ! ما ثمانية وأربعة واثنان ؟ قالت أما ثمانية فأطباع الكلبة. وأما أربعة فأخلاف الناقة. وأما اثنان فثديا المرأة. فخطبها إلى أبيها فزوجه إياها ، وشرطت عليه هي أن تسأله عن ثلاث خصال ليلة بنائه بها. فقبل ، كما طلبت أن يسوق لها مائة من الإبل وعشرة أعبد وعشر وصائف وثلاث أفراس فَقِبل أيضاً.

 

ثم إنه بعث عبداً له إليها وأهداها نحياً – وعاء من الجلد – من سمن ونحيا من عسل وحلة من عصب فنزل العبد ببعض الماء فنشر الحلة ولبسها فتعلقت بأهداب الشجره فانشقت، وفتح النحيين فأطعم النازلين بالماء فنقصا، ثم قدم على حي الجارية وأهلها غائبون فسألها عن أبيها وأمها وأخيها ودفع إليها هديتها، فقالت له: أعلم مولاك أن أبي ذهب يقرب بعيداً ويبعد قريباً، وأن أمي ذهبت تشق النفس نفسين. وأن أخي يراعي الشمس، وأن سماءكم انشقت وأن وعاءيكم قد نضبا.

 

ولما قدم العبد على مولاه وأخبره قال: أما قولها أبي ذهب يقرب بعيداً ويبعد قريباً فإن أباها ذهب يحالف قوماً على قومه. وأما قولها ذهبت أمي تشق النفس نفسين، فإن أمها ذهبت تولد امرأة نُفساء. وأما قولها أن أخي يراعي الشمس فإن أخاها في سرح له يرعاه فهو ينتظر غروب الشمس ليروح به، وأما أن سماءكم انشقت، فإن البرد الذي بعثت به انشق، وأما قولها إن وعاءيكم قد نضبا، فإن النحيين اللذين بعثت بهما نقصا، فأصدقني!

 

وفاته

امرؤ القيس لم يعش طويلاً، لكن تجاربَه التي مر بها لكثرة تجواله وترحاله في الأرض فاقت عدد السنوات التي عاشها أضعافا، حيث أمضى حياته بدايةً في اللهو والشرب فكان متسكعاً في البلاد، تحولت بعدها إلى حياة مسؤولة أثبت فيها بأنه فارس صلب مغوار، كان كثير التنقل والترحال حتى تجاوز جزيرة العرب متوجهاً إلى أرض الروم (القسطنطينيّة)، ووصل إلى أنقرة حيث حل التعب بجسده، وأصيب بالجدري الذي تمكن منه وصرعه، ودُفِنَ هناك. يقع قبر امرؤ القيس على تلة (هيديرليك) في مدينة أنقرة عاصمة تركيا، واختَلف المؤرخون في سنة وفاته حيث يرجح معظمهم بأنه قد توفي سنة خمسمائة وأربعين للميلاد.

 

امرؤ القيس من ناحية تاريخية

مثله مثل باقي شعراء مايُعرف بالعصر الجاهلي، فالدلائل المادية عن وجوده التاريخي تكاد تكون معدومة لإن الثقافة التي حافظت على هذا الإرث كانت ثقافةً شفهية وأول جهود تدوين الشعر الجاهلي بدأت في القرن الثاني والثالث بعد الإسلام أقدم الإخباريين العرب الذين أشاروا لإمرؤ القيس كان ابن السائب الكلبي وهناك أربع روايات شفهية تم تدوينها عن حياته وقد أشار مؤلف كتاب الأغاني وهو أبو الفرج الأصفهاني إلى ذلك الغالب ان امرؤ القيس كان شخصية حقيقية لإن لمحات من روايات الإخباريين موجودة في الكتابات البيزنطية الكلاسيكية، فجده الحارث بن عمرو الكندي مذكور ووجوده مؤكد في كتابات البيرنطيين. يذكر البيزنطيين شخصا قريبا للحارث بن عمرو اسمه كايسوس (قيس) كان ملكا على قبيلة كِندة ومعد ولكن التاريخ الحقيقي لهذا الشاعر غارق في الأسطورة ومن أبرز آثاره أنه نقل الشعر العربي لمُستوى جديد وتخليده لقبيلتِه في الذاكرةِ العربيةِ ولا زال يُعتبر من أَعظمِ الشعراءِ العربِ الجاهليين.

 

أجمل أبياته الشعرية

قفا نبك من ذِكرى حبيبٍ ومنزلِ ( معلقة )

 

قفا نبك من ذِكرى حبيب ومنزل                                           بسِقطِ اللِّوى بينَ الدَّخول فحَوْملِ

فتوضح فالمقراة لم يَعفُ رسمها                                                لما نسجتْها من جَنُوب وشمالِ

ترى بَعَرَ الأرْآمِ في عَرَصاتِها                                                          وقيعانها كأنه حبَّ فلفل

كأني غَداة َ البَيْنِ يَوْمَ تَحَمَلّوا                                                 لدى سَمُراتِ الحَيّ ناقِفُ حنظلِ

وُقوفاً بها صَحْبي عَليَّ مَطِيَّهُمْ                                                   يقُولون لا تهلكْ أسى ً وتجمّل

وإنَّ شفائي عبرة ٌ مهراقة                                                          فهلْ عند رَسمٍ دارِسٍ من مُعوَّلِ

كدأبكَ من أمِّ الحويَرثِ قبلها                                                      وجارتها أمَّ الربابِ بمأسل

فَفاضَت دُموعُ العَينِ مِنّي صَبابَةً                                        عَلى النَحرِ حَتّى بَلَّ دَمعِيَ مِحمَلي

 

أعِنّي عَلَى بَرْقٍ أراهُ وَمِيضِ

أعِنّي عَلَى بَرْقٍ أراهُ وَمِيضِ                                                      يُضيءُ حَبِيّاً في شَمارِيخَ بِيضِ

ويهدأ تاراتٍ وتارة ًينوءُ                                                            كتعتاب الكسير المهيض

وَتَخْرُجُ مِنْهُ لامِعَاتٌ كَأنّهَا                                                         أكُفٌّ تَلَقّى الفَوْزَ عند المُفيضِ

قَعَدْتُ لَهُ وَصُحُبَتي بَينَ ضَارجٍ                                                  وبين تلاع يثلثَ فالعريض

أصَابَ قَطَاتَينِ فَسالَ لِوَاهُمَا                                                       فوادي البديّ فانتحي للاريض

بِلادٌ عَرِيضَة ٌ وأرْضٌ أرِيضَة ٌ                                                 مَدَافِعُ غَيْثٍ في فضاءٍ عَرِيضِ

ألا عِمْ صَبَاحاً أيّهَا الطّلَلُ البَالي

ألا عِمْ صَبَاحاً أيّهَا الطّلَلُ البَالي                                                 وَهل يَعِمنْ مَن كان في العُصُرِ الخالي

وَهَل يَعِمَنْ إلا سَعِيدٌ مُخَلَّدٌ                                                          قليل الهموم ما يَبيتُ بأوجالِ

وَهَل يَعِمَنْ مَن كان أحدثُ عَهدِه                                                ثَلاثِينَ شهراً في ثَلاثَة ِ أحوَالِ

دِيارٌ لسَلمَى عَافِيَاتٌ بذِي خَالِ                                                    ألَحّ عَلَيها كُلُّ أسْحَمَ هَطّالِ

 

خليلّي مرّ بي على أم جندب

خليلّي مرّا بي على أم جندب                                                     نُقَضِّ لُبَانَاتِ الفُؤادِ المُعذَّبِ

فَإنّكُمَا إنْ تَنْظُرَانيَ سَاعَة ً                                                         من الدهرِ تَنفعْني لَدى أُمِّ جُندَبِ

ألم ترياني كلما جئتُ طارقاً                                                       يُفَدّونَهُ بالأمّهَاتِ وبَالأبِ

bottom of page