top of page

بدر الدين الحامد

الشاعر بدر الدين بن محمود الحامد من مواليد مدينة حماة السورية, وهو أخو العالم الفضيل الشيخ محمد الحامد أبرز عُلماء بلاد الشام. قرض الشعر وهو فتى ولقب بشاعر العاصي.

 

سيرته

بدر الدين بن محمود الحامد، شاعر ومُناضل وطني، ولِدَ في مدينة حماة السورية، وقضى حياته فيها. ترعرعَ في أسرة محافظة يغمرها العلم ويفيض منها الشعر والأدب، فأبوه وأخواله وإخوته كلهم أدباء، وكلهُم من العلماء في مدينة حماة، فنشأَ مُتأثراً بهذا المناخ.

 

دَرَسَ على يد أبيه العلوم الدينية والقرآن الكريم واللغة العربية، وبعد أن أنهى دراسته الثانوية انتقلَ إلى دار المعلمين ونالَ أهلية التعليم الابتدائي عام 1923، ثُمَّ تخرجَ من الكلية الصلاحية بالقدس، وقد اعتنى بإخوته وخاصة أخيه العالم محمد الحامد، ووفرَ لهم سبل العيش الكريم.

 

نضاله ضد الاستعمار

حين خيّم الاستعمار الفرنسي على سوريا عام 1920، كان بدر الدين الحامد في أوج شبابهِ وحماسته وتفجر شاعريته، فشاركَ في الحركات الوطنية، واتجهَ للشعر القومي والسياسي يلقيه في المناسبات، ويُثير به العزائم، كما انخرطَ في العمل الوطني ومحاربة الاستعمار الفرنسي (الذي امتدَ بين عامي 1920-1946) حيثُ كانَ من رجالات الكتلة الوطنية التي كانَ يرأسها شكري القوتلي. ألقيَ القبض عليه إبان ثورة حماة عام 1925 وزُجّ به في السجن، حيثُ ذاقَ صنوف العذاب والقهر في مُعتقله، ولاسيما بعد إخفاق محاولته في الهرب، وقد تحدثَ عن هذه التجربة المرة في شعره، فقال:

 

نعم ولافخرَ أقدمنا وليس لــنا                            هوىً بغير ظلام السجنِ والصَفَدِ

مالي وللذكريات السود أنبُشها                           الدهرُ يُنصِف والتاريخ في رَشَدِ

 

ولما أفرجَ عنهُ بكى كثيراً -كما يقول- على ما صارت إليه البلاد، وكأنَ هذهِ الحوادث أيقظت فيه الشعور بالألم مرة ثانية، فانصرفَ إلى نُظم الشعر الباكي.

 

كان لبدر الدين الحامد علاقة وطيدة برئيس الكُتلة الوطنية رئيس الجمهورية شكري القوتلي، وله فيه قصائد كثيرة، من ذلك قصيدة قالها مرحـّباً به حين زار حماة سنة 1947:

 

شكري العظيم زعيم الدار منقذنا                        فكلُّ فضلٍ إلى ناديه مرجــوع

قفْ في حمانا وحيِّ الرافدين فكم                       حيَّاكَ منهُم بساح الروْعِ مصروعُ

 

حياته المهنية

أمضى الشاعر بدر الدين الحامد حياتهُ متنقلاً بينَ التدريس والعمل الإداري، فبعدَ أن درّس اللغة العربية وآدابها في مدارس حمص وحماة أكثر من ستة وعشرين عاماً، عُينَ عام 1946 مفتشاً للمعارف في حماة، ثُمَّ مديراً للتربية فيها. كما كانَ له نشاط اجتماعي، فقد كانَ عضواً في الرابطة الثقافية التي ضمت خريجي الكلية الصلاحية.

 

حياته الاجتماعية

تجاذبت الشاعر في حياته مجموعة مِن النزاعات والأهواء، فقد كان في أسرة يغلبُ عليها الرصانة والالتزام في تدينها، فوجدَ نفسهُ مقيداً بأغلال أسرته التي حاولَ الهروب منها إلى مجالس الطرب، مع رفاقه من الأدباء والموظفين من أصحاب الطرفة والظرف والأدب، فعاشَ حياةً من التناقضات في شخصية عكستها مرآة شعره، بين عالم من الجدية ،وعالم من اللهو والمرح. وبين هذين العالمين وجدَ نفسه مثقلاً بهموم الحيرة واضطراب النفس. فنسمعه يقول:

 

أخو لوعةٍ يهتاجُ في قلبه الذكرُ                          دُجىً فدموعُ العين أسرابُها همرُ

يحنُّ وما يُجدي علــيه حنينهُ                            سوى ألمٍ ينقدُّ من هوله الصّدرُ

 

وفاته

لقد أثرَ ظلام السجن والحياة المضطربة التي عاشها، وإقباله على مباهج الدنيا، ومجالس اللهو والطرب -ولا سيما بعد أن تحسنت أحوالهُ المادية- أثرت جميعها في صحته، فاصطلحت عليهِ الأمراض والعلل، وهدت جسمهُ الناحل، إلى أن لقي وجه ربهُ في 2 تموز/يوليو عام 1961 في مدينته حماة ودُفِنَ فيها.

 

شعره

كان بارعاً في إلقاء الشعر، ذا لفظ غاية في الفصاحة، وفي صوته عنّة تمدهُ بتأثير في سامعيه أضعاف ما يؤثر شعره فيهم إذا قرئ عليهم. يتوزع شعر بدر الدين الحامد على أربعة أغراض رئيسة هي:

 الشعر الوطني والقومي

 الشعر الصوفي

 شعر الخمرة

 شعر الغزل

 

اشتهرَ بأنهُ شاعر لكل مناسبة وطنية، فله أشعار في القضية الفلسطينية والثورات العربية فكان شعرهُ سجلاً لأحداث وطنه، وقد خلّد فيه بطولات الثوار وفي مقدمتهم إبراهيم هنانو (1869- 1935)، وتعد قصيدتهُ الرائعة «يوم الجلاء» من أهم وأشهر قصائده الوطنية التي نظمها وما نزال حتى اليوم نرددها في ذكرى جلاء المستعمر الفرنسي عن سوريا عام 1946:

يوم الجلاء هو الدنيا وزهوتها والتي منها :

 

بلغتِ ثأرَكِ لابغــيٌ ولاذامُ                               يــادارُ ثغرُكِ منذ اليوم بسّامُ

ولّتْ مصيبتُكِ الكبرى ممزّقة                           وأقلعتْ عن حِمى مروان آلامُ

هذا التراب دمٌ بالدمع ممتزج                            تهبُّ منه على الأجيال أنسامُ

لو تنطق الأرض قالت إنني جَدَثٌ                      فِيَّ الميامين أبطالُ الحمى ناموا

يوم الجلاء هو الدنيا وبهجتها                           لنا ابتهاجٌ وللــباغين إرغامُ

ياراقداً في روابي ميسلون أفِقْ                          جَلَتْ فرنسا فما في الدار هضّام

 

كما تجد نكبة فلسطين صدىً في شعره القومي، فقد عكرت هذه النكبة النكباء سماء العرب الصافية بِدُخانِها القاتم، وأدت إلى فرقتهم حيناً والتقائهم حيناً آخر، ويأسف كيف أن اليهود شادوا مُستعمراتهم في قلب الوطن العربي، والعرب لاهون عنهُم وغير مُكترثين بهم:

 

رانت على أجواءَ يعرب غُمةٌ                           ترمي صفاءَ سمائهم بدخان

يتفرقون ويلتقون كأنهم                                  خيل الحران تُشَدّ بالأشطان

يا ويلنا شاد اليهود حصونَهم                            في دارنا والعُربُ في هَذيان

هم يبتنون ونحن نهدم مُلكَنا                             أنا من ذُرا قيسٍ وأنت يماني

 

أما شعرهُ الصوفي الذي امتزج فيه الغزل بالخمريات، والحب الإلهي بحب المرأة، فقد تأثرَ فيه بوالده الشيخ محمود الحامد الذي كانَ أحد أقطاب المذهب الصوفي في مدينة حماة كقوله:

 

أترِع الكأس وطيّبها بعرف من لماك                   واسقنيها إن عيني لن ترى شيئاً سواك

وليقولوا ما أرادوا أنا صبٌ في هواك                  جنتي كأسُ الحميّا ونعيمي في رضاك

 

وبالنسبة لشعرهِ الغزلي فقد كانَ انعكاساً لنفسه الحساسة، ومرآة لما يعتمل فيها من وجد وشوق وهيام، وتصويراً لمجالس الشراب والموسيقا واللهو والطرب مع أهل الفن، فقد كان يعشق النغم الجميل، ويُدرك طبقات الأصوات الرخيمة، وكان الغناء رفيق حياته والمغنون رفاقه. ومن أرقّ شعره الغزلي الذي يأخذ بمجامع القلوب ويسحر الألباب قوله:

 

حمّلونا عبء الهوى ونسونا                             ما عليهم لو أنهم ذكرونا

نحن منهم على خيالٍ مقيمٍ                               يبعث الوجد والصبابة فينا

إن جنحنا إلى السلوّ أرونا                                بلحاظ العيون سحراً مبينا

وسقونا عذب الحديث سلافاً                             مثل قطر الندى صفاءً ولينا

يخفق القلبُ في الجوانح شوقا                           وتسيل العيون دمعاً هَتونا

                                   

ولطالما تغنّى بحماة وبساتينها وغدرانها ونهرها ونواعيرها ومقاصفها. وقد غنى شعره مطربون كثر لحلاوة ذلك الشعر ورقته وخفة أوزانه. مثل قصيدتهُ الشهيرة (أنا في سكرين من خمر وعين) التي تغنى بها المطرب صباح فخري.

 

يعد بدر الدين الحامد من الشعراء المطبوعين، وهو ذو موهبة ظاهرة تجلوها لغته العربية السليمة ومخزونه من المفردات والأبيات والقصائد المختارة من عيون الشعر العربي، وتجلت شاعريته في رقة الألفاظ وقوتها وجزالتها, وبساطة الأسلوب, وطول النَفَـس، وحسن الأداء، والنسج على منوال الشعراء العباسيين، ولا سيما البحتري الذي تأثرَ بأسلوبه أكثر من أي شاعر آخر. وتعد قصائدهُ سجلاً واضحاً للكثير من الأحداث الوطنية الكبرى التي واجهتها سوريا إبّان الانتداب الفرنسي.

 

دواوينه

أصدر ديوان «النواعير» سنة 1928، ورواية «ميسلون» سنة 1946 وهي عبارة عن مسرحية شعرية تبدأ أحداثها بإعلان الملكية في سوريا وتتويج الملك فيصل عام 1920 وتنتهي بخروجه من دمشق في 28 تموز/يوليو من نفس العام.

 

طبعت وزارة الثقافة بعد وفاته آثاره الشعرية الكاملة عام 1975 في مجلدين باسم «ديوان بدر الدين الحامد». وقد تم دراسة أعماله الشعرية الكاملة برسالة ماجستير قامت بها الباحثة صفاء حسني ناعسة في جامعة الشارقة عام ٢٠٠٨ درست فيها أغراضه الشعرية دراسة تحليلية وموسيقية

bottom of page