top of page

بدوي الجبل

مولده

اسمه محمد سليمان الأحمد، وُلِدَ في قرية «ديفة» في جبل اللكام، من جبال محافظة اللاذقية السورية. وترعرع في قرية «السلاّطة» قريباً من «القرداحة».

 

ويرجح الدارسون اعتبار سنة 1904 تاريخاً لولادته. والحال أن قيد نفوسه يشير إلى أنه من مواليد العام 1898. لكن البدوي يقول أن هذا التاريخ هو تاريخ ولادة أخ له توفي قبله ولم يرقّن قيده من السجل المدني، فلما وُلِدَ هو سُمِّيَ باسم المتوفي وحمل تاريخ ولادته.

 

نسبه

ينتهي نسب بدوي الجبل إلى «الحسن المكزون السنجاري» الشاعر، الأمير، المتصوّف، الذي يتصل نسبه بملوك اليمن القدماء.

 

ويذكر أ. طارق عريفي بدوره أن المتصوف الكبير «الحسن المكزون السنجاري» ينتمي في أصله إلى الغساسنة، فهو غساني من رجال القرن السابع الهجري، واشتهرَ بتصوفه وشعره في الغزل الإلهي.

 

لقبه

كان البدوي في بداياته الشعرية، يرسل نتاجاته إلى صحيفة «ألف باء» ولم يكن مشهوراً، وحدث أن هزّ العالم آنذاك موت المناضل الإيرلندي ماك سويني محافظ مدينة كورك الذي قضى نحبه مضرباً عن الطعام لمدة أربعة وسبعين يوماً احتجاجاً على وجود الإنكليز في بلاده، وقد تأثرَ الشاعر بهذا الموقف، فكتب قصيدة «ماك سويني» وأرسلها للصحيفة المذكورة.

 

وقد تملكت الغرابة الشاعر عندما شاهد القصيدة منشورة ومذيّلَة بتوقيع «بدوي الجبل» فذهبَ إلى صاحبها معاتباً، إلا أن الأستاذ يوسف العيسى صاحب الجريدة الذي أطلق اللقب عليه قال له: «إن الناس يقرؤون للشعراء المعروفين، ولست منهم، وهذا التّوقيع المستعار يحملهم على أن يقرؤوا الشعر للشعر، وأن يتساءلوا من ذا يكون هذا الشاعر المجيد؟ وأنت في ديباجتك بداوة، وأنت تلبس العباءة، وتعتمر العقال المقصب، وأنت ابن جبل، إذاً فأنت بدوي الجبل». هذا ما يرويه صديقه الأستاذ أكرم زعيتر، عن هذا اللقب الذي شاع فيما بعد في عالم الأدب والشعر.

 

نشأته وثقافته

يذكر أ.طارق عريفي أن بيت الشاعر كان مدرسته الأولى التي تعلم فيها أصول الدين والأدب. «درج الصبي مع إخوته محاطين برعاية (والده) الشيخ (سليمان الأحمد) مبتدئين بحفظ القرآن الكريم، يتلقون عليه علوم اللغة، والدين. وأظهر الصبي ذكاءً خارقاً في الحفظ، ومقدرة فائقة على استيعاب ما يقرؤه فحفظ دواوين فحول الشعراء، وقرأ ما وقع في يديه من كتب التاريخ والأدب ورسائل البلغاء».

 

وفي حوار لمنير العكش مع البدوي يقول: «بدأت القراءة بالقرآن الكريم، ثُم قرأت على أبي، برغبة منه الحديث الشريف، ونهج البلاغة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وهو غاية الغايات في البيان، والإيمان والفناء في الله. ثُم قرأت على أبي بعد ذلك اللزوميات لأبي العلاء المعري. ثُم قرأت عليه المتنبي وأبا تمام والبحتري والشريف الرضي ومهيار الديلمي والحماسة لأبي تمام».

 

دَرَسَ الابتدائية في الجبل، والإعدادية في اللاذقية، وعندما احتلَ الفرنسيون اللاذقية كان متصرّفها آنذاك الرجل العربي الكبير رشيد طليع فتوثقت بينه وبين الشيخ سليمان آصرة صداقة، فحث أباه على تعليمه. وكذلك كان موقف زوجة أبيه فبعث الشيخ ابنه إلى دمشق حيثُ أكمل دراسته في مدرسة عنبر، ويُقَال أنه هناك بدأ ينظم الشعر.

 

أدبه وتأثيره على مسيرة الأدب

إن خير ما يعبر عن أدبه وتأثيره على مسيرة الأدب ما يقوله أدونيس فيه: «هل كتب وزناً؟ هل كتب نثراً، ما أشكاله؟ أسئلة تتراجع لتحل محلها أسئلة أخرى: ما الرسالة التي أعطاها؟ ما المعنى الذي أسسه؟ ما الأفق الذي افتتحه؟ ويكون الشاعر شاعراً بقدر ما يتيح لنا شعره الدخول إلى هذه اللجة، في هذا ما يؤسس عظمة بدوي الجبل. فأنت سواء أكنت شعرياً معه، أو ضده، لا تقدر إلا أن تشهد لدوره الكبير ومفارقته الإبداعية. لقد ختم تاريخاً شعرياً بكامله، وهو في الوقت نفسه، وبالقوة نفسها، يفتح للشعر العربي أن ينعطف، فيبدأ بنبض آخر، تاريخاً آخر».

 

وليس غريباً أن نسمع الدارسين لشعره يصرحون «الكلاسيكية الحية قد وقفت عند شاعرنا البدوي لا تجد بعده من يحملها وإليه انتهت».

 

شعره

يذكر د.شاهر امرير عن قصة نظم الشعر لدى البدوي يقول: «لقد بدأ البدوي ينظم الشعر مبكراً، فكان يقدم كل يوم لوالده قصيدة، فينظر فيها الوالد، ويصلّحها، ويقوِّم من اعوجاجها، فالشعر كما يحتاج إلى الفطرة السليمة، يحتاج إلى الدربة حتى تستقيم الملكة، فلم تمض فترة طويلة حتى استقام الوزن، وأسلست اللغة، واستجابت الألفاظ، والقوافي، فإذا البدوي، وهو الشاب الصغير، شاعر، يكاد يُعَدّ من الفحول، عند هذا، ابتسم الوالد ابتسامة الرضى، والاعتزاز، وأمسك بالقصيدة الأخيرة للشاب، فربّت على كتفه، وقال له، والدموع تخنقه من الفرح: الآن أصبحت يا محمد شاعراً، فاذهب، وتغنّ بهذا الشعر، فسوف تكون شاعر البلاد العربية في مستقبل الأيام بإذن الله».

 

اعماله

صدر ديوانه الأول سنة 1925 وأطلق عليه اسم «البواكير» وأهدى الديوان إلى «الشهيد الراقد في ميسلون، إلى تلك الروح الكبيرة التي تمردت على العبودية وعلى الحياة». وكان هذا الإهداء كما يقول أ.هاني الخيّر سبباً كافياً لمصادرة الديوان، ولم يسلم منه إلا نسخ قليلة.

 

ويذكر أ.طارق عريفي: «كانت مقدمة الديوان مسطرة بأقلام أعضاء المجمع العلمي بدمشق، وعلى رأسهم الأستاذ محمد كرد علي، والأستاذ عبد القادر المغربي، والأستاذ خليل مردم بك الذي صاغ مقدمته للديوان شعراً».

 

وبعد ذلك صدرت الأعمال الكاملة، في بيروت عام 1979.

 

وفاته

يقول أ.هاني الخيّر: «ظهر الثلاثاء الواقع في 18/8/1981 توقفَ قلب الشاعر الكبير بدوي الجبل إلى الأبد عن عمر يناهز الـ78 سنة».

 

ما قيل فيه

لقد تبوأ بدوي الجبل مكانته في الشعر العربي، وحظيَ بحب وإعجاب النقاد والأدباء، ناهيك عن جمهوره الكبير من محبي الشعر العربي ومتذوقيه، فأخذَ مكانته بين عمالقة شعراء عصره، الذين لم يخفوا إعجابهم العميق بهذا الشاعر الكبير.

 

ويبدو ذلك واضحاً في آرائهم التي أدلوا بها في مناسبات مختلفة، ونثبت هنا بعضاً منها:

 سعيد عقل: «بدوي الجبل أحد قلائد الشعر في الدنيا».

 أمين نخلة: « بدوي الجبل أمير الشعراء وأوفى الأوفياء».

 نزار قباني: «بدوي الجبل السيف اليماني الوحيد المعلق على جدار الشعر العربي، في حنجرته ألف لبيد وألف شريف رضي وألف أبي تمام».

 عبد الوهاب البياتي: « من يكتب الشعر بعد بدوي الجبل سنرميه بحجر».

 العلاّمة محمد كرد علي، مؤسس المجمع العلمي العربي بدمشق:

« إن بدوي الجبل هو في مقدمة شعراء العرب، الذين يحملون لواء وحدتها ويقودونها إلى سبيل سلامتها وعظمتها».

 

أجمل أبياته الشعرية

بتهالات

 

لا الغُوطَتانِ ولا الشبابُ أَدْعُو هَوايَ فَلا أُجَابُ

أَيْنَ الشَّآمُ مِنَ البُحَيْرَةِ والمَآذِنُ والقِبَابُ

وَقُبورُ إخْواني وَمَا أَبْقى مِنَ السَّيْفِ الضِرابُ

الصامِتاتُ وللطُيورِ على مَشارِفِها اصْطِخَابُ

الغافِياتُ فَلَم تَرُعْ مِنْها الزَماجِرُ والوِثَابُ

أَشْتاقُ أَحْضُنُهَا وأَلْثِمُهَا وللدَمْعِ انْسِكابُ

تَحنو الدموعُ على القُبُورِ فَتُورِقُ الصُمُّ الصِلابُ

ولها إلينا لَهْفَةٌ ولطُولِ غُرْبَتِنَا انْتِحَابُ

يا شامُ: يا لِدَةَ الخُلودِ وَضَمَّ مَجْدَكُما انْتِسَابُ

مَنْ لي بِنَزْرٍ مِنْ ثَراكِ وقد أَلَحَّ بِيَ اغْتِرَابُ

فَأَشُمُّهُ وكأنَّهُ لَعَسُ النَواهِدِ والمَلابُ

وَأَضُمُّهُ فَتَرى الجَواهِرُ كَيْفَ يُكْتَنَزُ التُرَابُ

هَذا الأديمُ شَمائِلٌ غُرٌّ وأَحْلامٌ عِذابُ

وَأُمُومَةٌ وطُفولةٌ وَرُؤى كما عَبَرَ الشِهَابُ

وتحِيَّةٌ مِسْكِيِّةٌ مِنْ سَالِفينَ هَوَوْا وَغابُوا

وَمِنَ الأُبُوَّةِ والجُدودِ لأهْلِ وُدِّهِمُ خِطَابُ

هَذا الأدِيمُ أبِي وأُمِّي والبِدايَةُ والمَآبُ

 

الدمية المحطمة

 

 

أيَا دُمْيَةً أَنْشَأْتُها وَعَبَدْتُهَا                                            كما عَبَدَ الغَاوُونَ مَنْحُوتَ أحْجارِ

سَكَبْتُ بِها رُوحي وأَهْواءَ صَبْوَتي                             وأَلْوانَ أحْلامِي وبِدْعَةَ أطْوارِي

جَمَعْتُ بها الدُنْيَا فكانَت سُلافَتِي                                 وكأسِي ونُدماني وأهْلي وسُمَّارِي

وَنامَت على الحُلْمِ المُريحِ بِمُقْلَتِي                               وَهَدْهَدَها عِطْري وحُبّي وإيثارِي

bottom of page