top of page

جميل بن معمر

عندما يُقال جميل بن معمر فإنّ كثيراً من الأشخاص لا يعلمون من هو، ولكن عندما يُقال جميل بثينة فيُصبح مُعرّفاً للجميع، فقصة حبه لبثينة انتشرت منذ القدم وبقيت إلى يومنا هذا، وقد عبر عن ذلك الحب بمجموعة من القصائد الرائعة والجميلة، فكان من الشعراء العرب المشهورين بِالفصاحة الجامعة بين الشعر والرواية

 

نسبه

 هو جميل بن معمر نُسب لقبيلة عذرة وهي قبيلة مضرية قريشية، فكان اسمه الكامل جميل بن معمر العذري القضاعي المُلقب بأبي عمرو، لم يتم تحديد عام مولده، ولكن الاحتمال الأكبر أنه ولدَ في الأعوام الأخيرة من خِلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه. كان يعيش جميل مع عائلة ميسورة الحال في وادي القُرى الواقع بين الشام والحجاز، وجميل من شعراء العصر الأموي، وصف بجمال وحُسن الخلق فكان كريم النفس وباسلاً وجواداً ، كما كان مُرهف الإحساس، ورقيق المشاعر فأحب بثينة حباً عظيماً.

 

أحداث حب جميل لبثينة

 كانت بثينة من نفس قبيلة جميل فكلاهما كانا من عذرة، وقيل بأنها ابنة عمه، أحب جميل بثينة وهو غلام صغير وبقي يُحبها إلى أن كبر وكتب فيها الكثير من الشعر، وطلبها من أبيها زوجة له، لكن أباها رفض ذلك وقام بتزويجها من شخص آخر، على الرغم من ذلك استمر جميل بحُبه لبثينة وزاد من كتابة الشعر، وبقي يتلاقى معها، مما جعل الناس يلومونه على ذلك. قام أبو بثينة بشكوى للوالي عن أفعال جميل بحقه وبحق ابنته، فأمر الوالي بإهدار دمه، فما كان من جميل إلا أن هرب من قريته وجاب البلاد العربية، وكان بين كل حين وآخر يعود بالخفاء للقرية ويتلاقى مع بثينة سراً.

 

شعره في بثينة

 ألّف الكثير من أبياتِ الشعر التي تدلّ على حبه وتعلقّه بحبيبته بثينة فقال من الشعر حتّى وصل الشعر إلى مسامع أبيه فقرّر تزويجه لأخرى حتى يتوقف جميل بن معمر عن قول الشعر في بثينة ابنة عمه، لكن ما كان منه إلّا أن زاد في قول الشعر وكان يقوم بلقائه فلامَهُ الناس على ذلك ولكن لم يتوقف فشكاه عمه إلى الوالي فاهدر دمه وهام في البلاد يقول الشعر وفي أحد الأبيات يقول:

يهواك ما عشت الفؤاد وإن أمت                                يتبع صداي صداك بين الأقبر

 

 ظلَّ جميل بن معمر يطوف في البلاد العربية وكان يقوم بزيارة قبيلتهِ بالسر كلما استطاع بمساعدة أخيه الذي كان يُساعِده على زيارة القبيلة ورؤية بثينة، وفي أحد الأيام طلب جميل بن معمر من صديقه أن يعدّ لقاءً مع بثينة فسأله عن علامة يقولها لكي تعرفه فقال له قل:

 

وَقُلتُ لَها يا عَزَّ أَرسَلَ صاحِبي                                 إليك رسولاً والرسول موكل

بَأَن تَجعَلي بَيني وَبَينَكِ مَوعِداً                                   وأن تأمريني بالذي فيه أفعل

 

فعرفت بثينة بأنّها أبيات جميل بن معمر فوافقت وتقابل حتى شقق الصباح عليهم وهما بالوادي، ويُعتبر غزل جميل ببثينة من نماذج الشعر الغزلي العفيف، ومن أرقّ الكلمات التي وصفت الحب الطاهر بكلمات منمّقة فكان لا يذكرها في بيت دون أن يذكر كرم أهله وبيته رغم رفضهم لأن يتزوجه.

 

والوحدانية في الحب من سمات الحب العذري عامة، فالشاعر العذري العاشق يتعلق بمن أحبها وحدها، ولا سبيل إلى أن تحل محل حبيبتِه امرأة أخرى، ولو أنه أراد أن يتعلقَ بغيرها ويقول فيها غزلاً لما طاوعه شعره، فهو يفضلها على النساء جميعاً كما فضلت ليلة القدر على سائِر الليالي.

 

وكان جميل ربما ضاق بِحُبه ذرعاً لكثرة معاناته فكان يتمنى الخلاص فلا يجد إلى ذلك سبيلاً:

عَدِمْتُك من حبٍ أما مِنْك راحةٌ

وما بك عني من تَوانٍ ولا فَتْر

ألا أيها الحبُ المبرِّحُ هل ترى

أخا كَلَفٍ أُغري بحب كما أغري

 

ولفرط تعلقه ببثينة وعفته في حبه كان يقنع منها بالنظرة العجلى واللقاء العابر:

وإني لأرضى من بثينة بالذي

لو أبصرَ الواشي لفرّت بَلابِلُه

وبالنظرةِ العَجْلى وبالحولِ ينقضي

أواخرُه ما تلتقي بأوائله

 

غزل جميل ببثينة من أرقى نماذج الغزل العفيف وأجودِها معنىً وأسلوباً، وفي شعره عذوبة ورقة مع متانة التأليف وإحكام النسج، فهو زعيم شعراء الغزل العفيف غير منازع، وكان كثير عزّة راوية لشعره، وكان جميل راوية للشاعر العذري هدبة بن الخشرم، وكان كثير يقر بأستاذه جميل وتقدمه عليه وكان يقول إذا سُئِلَ عنهُ:  وهل وطّأ لنا النسيب إلا جميل؟

 

وقد شهِدَ لَـهُ بالتقدم والتفوق في الغزل العفيف جمهرة من الرواة والعلماء بالشعر، وقد وضعه ابن سلام في الطبقة السادسة من شعراءِ الإسلام التي وقفها على شعراء الغزل الحجازيين، مع عبد الله بن قيس الرقيات، والأحوص الأنصاري، ونصيب.

 

وقد تغنى المغنون كثيراً بشعر جميل لمواءمته للغناء في معانيه ورقة ألفاظه وسهولة أسلوبه.

 

الدولة الأموية وجميل بن معمر والشعراء

كان للدولة الأموية الدور الأكبر في زيادة اهتمام الأدباء بتطوير أدائهم، ويختلف الشعر في العصر الأموي عنه في العصر الجاهلي فكان شعراء الدولة الأموية يلتزمون بتعاليم الدين الإسلامي، وكان الشعراء يتبارون فيما بينهم، وكان أمراء الدولة الأموية يقدّمون الهدايا القيمة والذهب للشعراء الفائزين، وكان يمتاز شعر العصر الأموي بالرِقّة، والعذوبة لطبيعة البيئة المحيطة بالدولة الأموية فكانت بلاد الشام موطنه وتشتهر بلاد الشام بالطبيعة الجميلة التي تشجع على قول الشعر والصدح به، وقد شهد العصر الأموي ظهور الشعر السياسي الذي يقوم على مدح رجال الدولة في المناصب العُليا وساعد على بروز هذا النوع من الشعر «السياسي» ظُهور (الخوارج، والشيعة، الهاشمين) ومُنَافَستِهم على الظفر بالحكم،

 

وقد ازدهرت عدة أنواع شعرية في العصر الأموي:

 الغزل الصريح (سبب إزدهاره حياة الثراء الفاحش التي كان يعيشها الشعراء).

 الغزل البدوي (سبب إزدهاره حياة البادية الهادئة وبعد العرب عن القتال فيما بينهم).

 الشعر التنافسي (اشتهر به الجرير والفرزدق).

 

مصر وجميل بن معمر

 عاشَ في مصر بعدَ أن قال في واليها عبد العزيز بن مروان أبيات من الشعرِ التي تمتدح عدله، وحكمته، وراجحة عقله، فطلب والي مصر لقاءه فوافق جميل بن معمر وجلس بين يدي الوالي، فطلبَ الوالي أن يقول الشعر فزاد الوالي في طلبه واستمرَ يقول الشعر حتى ذكر شعراً في بثينة فسأل عن قصة هذه الأبيات فسرد «جميل بن معمر» القصة، فطلبَ منهُ أن يقولَ الشعرِ فيه حتى أمر الوالي ببيتٍ له وعاشَ في مصر معظم حياته إلى رحل عن هذه الحياة في العام82 هجري.

 

وفاته

 كانت وفاة جميل بن معمر في عام 701 ميلادي / 82 هجري وهو في مصر، وقد كانت آخر كلماته أنه لم يفعل شيئاً يُغضب الله تعالى، فقال: أنه لم يشرب الخمر قط، ولم يقتل نفساً، ويشهد أن لا اله إلا الله، فسأله أحد الرجال، وقال له: واللهِ ما سلمتَ (يُريد من الزنا)، وأنت منذ عشرين سنة تنسب ببثينة، فأكد أنه لم يزنِ يوماً قط، فقال: إنّي لفي آخرِ يومٍ من أيّام الدُّنيا، وأوّل يوم من أيام الآخرة، فلا نالتني شفاعةُ محمد  إن كنتُ وضعتُ يدي عليها.

 

أجمل أبياته الشعرية

 

ألا ليت ريعان الشباب جديد                                      ودهرا تولى - يا بثين - يعود

فنبقى كما كنا نكون وأنتمو                                        قريب وإذ ما تبذلين زهيد

وما أنسى الأشياء لا أنسى قولها                                وقد قربت نضوي : أمصر تريد

و لا قولها : لولا العيون التي ترى                            لزرتك فاعذرني فدتك جدود

خليلي ما ألقى من الوجد باطن                                  ودمعي - بما أخفي الغداة - شهيد

إذا قلت : ما بي يا بثينة قاتلي                                    من الحب قالت : ثابت ويزيد

وإن قلت : ردي بعض عقلي أعش به                       تولت وقالت : ذاك منك بعيد

فلا أنا مردود بما جئت طالبا                                     ولا حبها فيما يبيد يبيد

جزتك الجوازي يا بثين سلامة                                  إذا ما خليل بان وهو حميد

وقلت لها : بيني وبينك فاعملي                                  من الله ميثاق له وعهود

وقد كان حبيكم طريفا وتالدا                                      وما الحب إلا طارف وتليد

وإن عروض الوصل بيني وبينها                              وإن سهلته بالمنى لكؤود

 

وقوله

 

أبي القلب إلا حب بثنة لم يرد                                    سواها وحب القلب بثنة لا يجدي

تعلق روحي روحها قبل خلقنا                                   ومن بعد ما كنا نطافا وفي المهد

فزاد كما زدنا فأصبح ناميا                                        وليس إذا متنا بمنتقض العهد

ولكنه باق على كل حالة                                            وزائرنا في ظلمة القبر واللحد

على أن من قد مات صادف راحة                             وما بفؤادي من رواح ولا رشد

يكاد فضيض الماء يخدش جلدها                               إذا اغتسلت بالماء من رقة الجلد

وقد لامني فيها أخ ذو قرابة                                      حبيب إليه من ملامته رشدي

bottom of page