top of page

حسن بن عبد الله القرشي

مقدمة

القرشي شاعر عاصرَ العديد من التجارب الشّعرية في الوطن العربي وأسهم كثيراً في إثراء ساحة الأدب والمعرفة من خلال البوح الشّعري والرؤية الشّعرية المتميزة. عُرِفَ عن الشاعر القرشي غزارة إنتاجه على مدى خمسة عقود أسَسَ فيها هذه المكانة البارزة وأثمرت عشرات الدّواوين والمجموعات الشّعرية، وأعمالاً كاملة كانت بين يدي القارئ العربي في كل مكان.

 

ولِدَ في مكة المكرمة عام 1344 هـ / 1934، وتلقى علومه الأولية بالكتاتيب فحَفِظَ القرآن الكريم، ثُمَّ دَرَسَ في مدرسة الفلاح، والمعهد العلمي السعودي في مكة المكرمة، ثُمَّ حصلَ على شهادة ليسانس الآداب، قسم التاريخ، مع مرتبة الشرف من كلية الآداب بجامعة الرياض.

 

حياته العملية

 عَمِلَ في بداية حياته الوظيفية محرراً بديوان الأوراق في وزارة المالية، ثم كاتباً في المكتب الخاص في الوزارة.

 عند تأسيس الإذاعة السعودية عام 1368 هـ، عَمِلَ رئيساً للمذيعين كما انتدب لمدة عام للدراسة الفنية الإذاعية في مصر.

 عاد بعد ذلك للعمل في وزارة المالية والاقتصاد الوطني، مديراً لمكتب وكيل الوزارة للشؤون الاقتصادية فمديراً عاماً مساعداً، ثُمَّ سكرتيراً مالياً، فمساعداً لمدير المكتب الخاص ثُمَّ مديراً عاماً لمكتب الوزير.

 انتقلَ بعد ذلك للعمل في وزارة الخارجية بمرتبة سفير، فعَمِلَ سفيراً للمملكة في موريتانيا ثُمَّ السودان.

 

شعره

يعد القرشي في المقدمة من شعراء الوجدان وذلك لغلبة العاطفة ثُمَّ الشكوى والتألم والبكاء والأنين على شعره. ثم هو ملحق بشعراء الجمال، لجمال ديباجته في الغالب، وأسلوب شعِرهِ أسلوبٌ سهلٌ يسير لا تكلفَ فيه ولا تمحل، وإن أعوزته الرصانةُ في بعضِهِ.أما لغته فإنها تسمو حيناً حتى تصل إلى مرتبةٍ حسنةٍ وتتدنى حينًا إلى الكلام المبتذل، وقد يشوب قوله اللحن وبخاصة في النثر، ولم يكن ذلك مقصوداً لديه لكونه عاب بعض الشعراء بالضعف اللغوي، وبخاصة أرباب الشعر الحر وذلك في كتابه [تجربتي الشعرية] وإذا كان القرشي قد نظم كثيرَاَ مما لزم فيه الوزن والقافية فإنه قد خرج على ذلك في بعض شعره حيث كتب شعرا حرَا ودعا إليه بإلحاح.

 

كان في بداية حياته الشعرية يلجأ إلى أساتذة الأدب ليقدموا دواوينَه إلى القراء، فأحمد حسن الزيات كتب مقدمةَ ديوانه مواكب الذكريات والدكتور طه حسين كتب مقدمهً لديوانه الأمس الضائع. ثناؤهما وأمثالهما على شعر القرشي هو من باب العموميات التي يقصد منها إعلان الاستحسان العام.

 

أغراض شعره

شدا حسن القرشي في عصر اشتدت فيه الحملة من بعض أهل زمانه على شعر المناسبات بعامة، وشعر المديح بخاصة، وجنح فيه كثيرون إلى الشعر الوجداني، وأكثر آخرون من الشعر الديني. وجد كثيرون من أهل زمانه في طريق شعر التأمل والشك والتشاؤم. وتباروا في ذلك، وفي شعر الطبيعة والانغماس في المذاهب الحديثة وبخاصة الرومانسية (الخيالية التجديدية).

 

وإذا كان القرشي قد طرق أغراضَ شعرِ عصره كلها فإن الذي حوته دواوينه الأحد عشر ينكمش فيه نصيب المدح، فلعل الشاعرَ لم يرتح لنشر مثل تلك القصائد لسبب أو أكثر. واليك أهم أغراض شعره:

 يأتي الشعر الوجداني في المرتبة الأولى من حيث الكثرة، وله فيه دواوين مستقلة مثل (سوزان)، غير أن نغمة الألم والحزن تسيطر على هذا اللون من شعره، وهي نزعة كادت أن تسيطر على أشعار جُلَّ أهلِ زمانِهِ حتى لقد وصفهم (إيليا أبو ماضي) بأنهم كالنساء يحبون المدح ويميلون إلى البكاء.

 أما الشعر الوطني والقضايا العربية فإنه يأتي من حيث الكثرة عند القرشي بعد الشعر الوجداني وأقرب ما يمثله من دواوينه:

 نداء الدماء

 لن يضيع الغد.

  فلسطين وكبرياء الجرح وهو في هذا اللون الشعري لا يتأمل ويفكر ويحلل ثُمَّ يستنتج بل ينقاد لثورة نفسه وثورة مشاعره فيأتي بشعر خطابي مجلجل، شأنه في ذلك كشأن عامة من نَظَمَ في هذا من شعراء عصره ومثال ذلك في شعره قوله.

 الشعر الدينْي وهذا جانب في شعر القرشي أهمله الباحثون الذين كتبوا عنه إلا في إشارات يسيرة عند بعضهم ولعل ذلك راجع إلى غلبة الشّعر الوجداني فيما نَظَمَ الرجل، حتى عُرِفَ به واشتهر فيه. والواقع أن للرجل أشعاراً دينية حسنة نجدها في بعض دواوينه منبثة داخل أغراضه لتشهد للرجل بأنه لم يكن بعيدًا في شعره عن منبته ومدرجه، وماضي أمته ومستقبلها وأكثر ما تجد ذلك في ديوانه [الأمس الضائع].

 

والذي يعنينا من هذا الديوان هو باب التهويمات كما يسميها صاحب الديوان ففي هذا الباب نظم الشاعر جملة من القصائد في مدح النبي ، وفي جوانب من سيرته، وفي الكعبة المشرفة، وختم الباب بقصيدة فيها تضرع ودعاء وشكوى إلى الباري تبارك وتعالى من النفس اللوامة.

 

 الوصفْ وهذا أوسع الأغراض وأرحبها في الشعر، ينبث في كل غرض ويندس في كل موضوع، ولذا قالوا إن جماع أغراض الشعر الوصف ومنه تتفرع. ولقد أكثر القرشي من الحديث في الوصف، وكان في بعضه متأملًا دقيق الملاحظة، وقد يكون الغرض منه الرمز.

 التأمل وهذا لون شعري تناوله القرشي ونَظَمَ فيه منطلقاً مما يدور حوله، أو يدور فيه من شك وحيرة أوغل فيهما أبناء عصره استجابة لظروف الحياة وملابساتها. ولا نعني بذلك أن مثل هذا ضد الطبيعة الشّعرية، بل هو مسألة ضرورية، إذا خلا منها الشعر افتقَد كثيرًا من مقوماته، غيرَ أن أبناء العصر قد أوغلوا فيه انطلاقاً من واقعهم، أو افتعالًا من أجل مجاراة أهل زمانهم.

 

وإذا كان القرشي قد أحيط بظروف قاسية حيناً كوفاة أبيه وهو صغير، أو معقدة حينا نتيجة فشل العلاقات الاجتماعية، فإن طبيعةَ حياته تلك تفرض عليه طَرْقَ مثلِ هذا الميدان وتصوير تجاربه القاسيّة التي جعلته يسير في كثيرٍ من دروبِ حياتِهِ وحيداً.

 

أجمل أبياته الشعرية

من قوله في مولد النبي

 

هَلَلِي يا بِطاحَ مكةَ لِلْيُمْن                                            وتِيْهي على البلاد وسُودي

وَأَشْرِعِي بَاليَتِيْمِ رَاَيَةَ مَجَدٍ                                         هِي عِنْدَ الفَخَارِ أعْلى البُنُوْدِ

كم على مهلِهِ النضِيرِ قدانَى                                      الْبشْرُ تحدوهُ زاهيات الورودِ

أيُ مَهْدٍ مِنَ العَبِيْرِ ندِي                                             ضَمَّ دُنْياً مِنَ السنَا وَالسُّعُوْدِ

 

وصفه فراشة ظلت تدور حول ضوء المصباح مفتونة به حتى إذا ملكتها الفتنة ألقت بنفسها في لهبه فاحترقت:

 

وَفَراشَةٍ طَارَتْ لِتَحْتَرِقَا                                             كَم أرْعَشتْ بِجَنَاحِهَا الغَسَقَا

مَوْتُورَة مِنْ نَفْسِهَا جَنَحَتْ                                          للِضَّوْءِ تَكْسِب فَوْقَه الرمَقَا

حَسِبَتْهُ يَرعَى حُسْنَهَا فَرِحاً                                         وَيَشمُّ منْهِا عَرفْهَا العَبِقَا

لَكِنًهُ أوْدَى بِهَا حَرَقاً                                                  فَهَوَت عَلَى جَنبَاتِهِ مِزَقَا

bottom of page