top of page

عنترة بن شداد

مقدمة

عنترة بن شداد هو من أبطال العرب قبل الإسلام وقد عاشَ في شبه الجزيرة العربية وهو من فُرسان القرن السادس الميلادي، ويُعتبر عنترة من أهم الشعراء، وتعتبر قصة حياته من أجمل القصص التاريخية، فهو ابن لأحد أهم سادة بني عبس وهو شداد، ولكن من أم حبشية «جارية» وذلك قبل الإسلام حيث كانت العنصرية متفشية، ولأنه أسود اللون لم يعترف سيد بني عبس بأن عنترة إبنه ورفضه، ورفضت القبيلة تزويجه بإبنة عمه عبلة بنت مالك، ولكن عنترة أظهر شجاعة لا مثيل لها واشترك مع قبيلته بحروبها، وقال أجمل أبيات الشعر مما أجبر أبيه في النهاية على أن يعترف به.

                                                          

وهو من شعراء مُعلقات العرب الذين كانت تعلق أشعارهم على جدران الكعبة، ويغلُب على شعره الطابع الغزلي، بسبب قصة حبه مع عبلة عرفت بها العرب فكان يقول الشعر الذي يعبّر عن إحساسه المرهف وحبه العفيف لعبلة.

 

عنترة الأسطوري

لقد تلقفت الذاكرة الشعبية قصة عنترة ووصلت إلينا حكايتُهُ، وتُعتبر قصة عنترة من أهم القصص التي كان يجتمع الناس عند الحكواتي « راوي القصص الشعبية» ليسمعوا قصة حياته ويستمتعوا بأشعاره، وقد لعب الخيال دورًا في إضافة الكثير لهذه الحكاية إلا أن الحكاية الرئيسية لا ريب فيها، وذلك لإنها موثقة في معلقة عنترة، وأشعاره، ويُعتبر الشعر العربي وخاصة الجاهلي والإسلامي مرجعًا تاريخيًا هامًا لاستسقاء الحقائق.

 

مولد عنترة ونشأته

ولد عنترة في بلدة تُسمى قصيباء بمنطقة القصيم في الحجاز في القرن السادس الميلادي، وحسب الروايات فإنه شارك بحرب داحس والغبراء فقدر المؤرخون بأنه ولد بعام 525م وقد عاصر عمرو بن معدي والحطيئه وكلاهما أدركا الإسلام. ولد من أمٍ حبشيةٍ سوداء أسرت في هجمة على قافلة تجارية لها وأُعجِبَ بِها شداد والد عنترة فتزوجها، فأنجبت مِنُه عنترة وأخوين اثنين آخرين وجميعهم كانوا عبيداً عند أبيهم، تميز عنترة بضخامة جسمه وعبوس وجهه وبشعره المجعد ووجه شديد السواد.

 

العبودية

تجرّع عنترة بِن شداد مرارة الإهانة وصعوبة العيش والحرمان في كنف والِده، وكان أصعب حرمان عانى منه عنترة هو عدم نسبه لأبيه، وكان يعيش دور العبد في كنف والده فيعذّبه ويُنزل به أشدّ العقاب، وكانت سمية زوجة أبيه تدس له عند أبيه وتحوك له المكائد، ومن ذلك أنها حرشت عليه أباه مرة، وقالت له: «إن عنترة يراودني عن نفسي». فغضب أبوه غضباً شديداً وعصفت برأسه حميته، فضربه ضرباً مبرحاً بالعصا وأتبعها بالسيف، ولكن سمية أدركتها الرحمة في النهاية فارتمت عليه باكية تمنع ضربات أبيه، فرقّ أبوه وكفّ عنه. فاعتبر عنترة بشعر يقول فيه:

 

أمِــن سميـة دمع العين تذريـفُ                                         لو أن ذا منك قبل اليوم معروف

كأنها يوم صـدّت ما تكلمني                                      ظبي بعسفان ساجي الطرف مطروف

تجلّلتني إذ أهــوى العصا قِبلي                                                  كأنهـا صنــم يُعتــاد معكــوف

المــال مـالكم والعبد عبـدكم                                            فهــل عذابك عني اليـوم مصروف

تنسى بلائي إذا مـاغـارة لقحـت                                           تخرمنها الطـــوالات السـراعيف

يخرجن منها وقد بلّت رحائلها                                            بالماء يركضها المُرد الغطاريف

قد أطعنُ الطعنة النجلاء عن عرضٍ                                     تصفر كف أخيها وهو منزوف

لا شك للمـرء أن الدهر ذو خلف                                                 فيه تفرّق ذو إلف ومألوف

 

التسمية والألقاب

تضاربت الأقوال حول اسم عنترة بن شداد، فمنهم من أكّد أنّ اسمه هو العتر والنون حرف زائد، والعتر تعني الذّبح، أمّا العنترة فهو أيضاً اسم ذو بأس شديد، ويرمز إلى الشجاعة في الحرب، وأُطلق عليه لقب الفلحاء، نظراً لوجود شق في شفته السفليّة، وكما كان يُطلق عليه لقب أبي الفوارس؛ نظراً لشجاعته وفروسيته، وحاز على عدة ألقاب أخرى كأبي المعايش، أبي أوفى،  ويقال إنّ هذا.

المعارك التي خاضها ونيله للحرية

وفي إحدى الأيام أغارت عليهم قبيلة كان لها ثأرعندهم فأخذوا الإبل والأغنام وكان عنترة مع شباب قومه بحومة النزال، لكن عنترة اشترك مدافعاً لا مهاجماً لأن قومه كانوا ينقصوه حصته من غنائم الحرب السابقة، فتقاعس عن الحرب وبقي مُدافعاً فقط واشتد وطيس المعركة وكادت قبيلتُهُ أن تُهزم في الحرب وتفقد ما تمتلك من الإبل والأغنام فصاح شداد والد عنتره قائلاً لعنترة: كر يا عنترة، فأجاب عنترة نداء والده قائلاً: لا يُحسن العبد إلا الحلاب والصر، فرد عليه والده قائلا: كر وأنت حر، فانطلقت وحشية عنترة في الحرب وانتصر أهله على الغزاة، واحتفلوا بعنترة وشجاعته ومن تلك اللحظة أصبح عنترة حراً.

 

صفاته

ان عنترة بن شداد يختلف عن أقرانه في الخلقة، حيث انحدر نسله من أبٍ عربي أصيل وأمّ حبشيّة، فكان شكله ذا ملامح ضخمة، ووجهه عابِساً، وشعره خشناً، وامتاز بكبر شدقيه، وعرض مُنكبيه وصلابة عظمه، وطول قامته.

 

قصة حب عنترة وعبلة

عاش عنترة بن شداد قصة حبّ أليمة مع ابنة عمه عبلة بنت مالك، حيث ضُرب المثل بقصة حبهما لبعضهما، ولكن كانت العوائق التي تقف في وجه زواجهما أقوى من حُبِهما لبعضِهما، ويُقال إنّه قد تقدّم إلى عمه مالك ليخطب ابنتهُ عبلة، لكنه رفضَ رفضاً قطعيّاً تزويجه بها؛ نظراً لأنّه عبد أسود، وبدأ بتعجيزه بالطلبات، فطلبَ مِنهُ مهراً لعبلة بألف ناقة من نوق النعمان المعروفة بالعصافير، وبالفعل توجّه عنترة لطلب عصافير النعمان حتى يجمع مهر عشيقتهِ عبلة، وكان قد واجه العديد من المشاكل والصعاب خلال ذلك ومنها وقوعه بالأسر، وبعد أن أتمّ المهمة وجمع مهر عبلة عاد إلى قومه ومتجّهاً إلى عمه مالك ومعه ألف من عصافير النعمان، ولكن المفاجأة كانت بأنّ عمه استخدم أسلوب المماطلة، وتصعيب الأمور أكثر فأكثر، حتى باتَ يُفكر بطريقة للتخلّص من عنترة، حتى جعل من ابنته غنيمة يفوز بها من يأتي برأس عنترة.

 

وتضاربت أقوال الرواة حول زواج عنترة بعبلة، حيث ذهب البعض إلى القول بأن عنترة لم يتزوج عبلة، بل تبتل في حبها، وأن أباها وأخاها منعاه من زواجها، وأنها زوجت أحد أشراف قومها على رغم عنترة. وقد قاس أصحابُ هذا الرأي قولهم هذا قياساً على عادة العرب من مَنعِها بناتها أن يزففن إلى من يذكرهن قبل الزواج.

 

ويميل البعض إلى الرأي القائل أن عنترة تزوج عبلة لعوامل وأسباب، منها أنه قد استحلق بنسب أبيه فزالت عنه هجنة النسب وأصبح ابن عم لعبلة، ثم إنه كان من أشهر فرسان قبيلة بني عبس بل فارس من فُرسان العرب، وقوته وفروسيته مما لا يغفله من حسابه من يريد زواج عبلة، إذ إنه سيتعرض لانتقام عنترة وثأره لكرامته.

 

وفاته

و إنّ أكثر الرّوايات ترجيحاً حول مقتل عنترة تتحدّث عن أنّه كان ينوي الهجوم على بني نبهان من طيء و سلب طرائد لهم ، وقد كان عمره حينئذ تسعون عاماً ، فرآه رجلٌ يُسمى زر بن جابر النّبهاني فرماه بسهمٍ فقتله ، لتنهي هذه المقتلة فصلاً من فصول البطولة التي سطّرها عنترة بصولاته و جولاته وكان ذلك عام ٦٠٨ ميلادي.

 

مكانُ دفنِه

عُرفَ منذ القدم أن قبر عنترة موجود في منطقة حائل، في قرية مرتفعة تسمى النعي تحديداً، والتي تبعد عن حائل مسافة تسعين كيلو متراً باتجاه الشرق، وهذه المعلومة تستند على ما تناقله الأجداد لأبنائهم منذ القدم؛ حيث إنّ هناك قبراً يصل طوله إلى ما يقارب الثلاثَة أمتارٍ على قمة هذه القرية يُقالُ بأنه قبر عنترة، وأهالي المنطقة لديهم قناعة تامة بذلك؛ حيث نسبوا العديد من المعالم الموجودة في القرية إلى عنترة؛ لوجود قبره فيها، كما توجدُ في نفس المكان عينُ ماء تسمى عنترة، وكهف مسمى بالاسمِ ذاتِه وغيرها.

 

لكن العلماء لم يجزموا بتأكيد وجود قبر عنترة في المنطقة ذاتِها، لعدمِ وجود دليل قاطع على ذلك، وإثبات مثل هذا الموضوع يحتاج لدراسات كبيرة؛ حيث يعتقدُ البعض أنّ عنترة دُفن في القصيم، وبعضهم يعتقد أنه في مدينة ليوا في الإمارات، غير أنّ اعتقادَ دفنه في حائل هو الأرجح حتى الآن.

 

أجمل أبياته الشعرية

هَلْ غَادَرَ الشُّعَرَاءُ منْ مُتَرَدَّمِ                                    أم هَلْ عَرَفْتَ الدَّارَ بعدَ تَوَهُّمِ

 

لَئِن أَكُ أَسوَداً

 

لَئِن أَكُ أَسوَداً فَالمِسكُ لَوني                                       وَما لِسَوادِ جِلدي مِن دَواء

وَلَكِن تَبعُدُ الفَحشاءُ عَنّي                                            كَبُعدِ الأَرضِ عَن جَوِّ السَماءِ

 

أَنا في الحَربِ العَوانِ

 

أَنا في الحَربِ العَوانِ                                                 غَيرُ مَجهولِ المَكان

أَينَما نادى المُنادي                                                       في دُجى النَقعِ يَراني

وَحُسامي مَع قَناتي                                                            لِفِعالي شاهِدانِ

أَنَّني أَطعَنُ خَصمي                                                         وهوَ يَقظانُ الجَنانِ

أَسقِهِ كَأسَ المَنايا                                                               وَقِراها مِنهُ داني

أُشعِلُ النارَ بِبَأسي                                                                 وَأَطاها بِجِناني

إِنَّني لَيثٌ عَبوسٌ                                                         ليسَ لي في الخَلقِ ثاني

خُلِقَ الرُمحُ لِكَفّي                                                            وَالحُسامُ الهِندُواني

 

أُحِبُّكِ يا ظَلومُ

 

أُحِبُّكِ يا ظَلومُ فَأَنتِ عِندي                                         مَكانَ الروحِ مِن جَسَدِ الجَبانِ

وَلَو أَنّي أَقولُ مَكانَ روحي                                        خَشيتُ عَلَيكِ بادِرَةَ الطِعانِ

 

رمتِ الفؤادَ مليحةٌ

 

رمتِ الفؤادَ مليحةٌ عذراءُ                                                 بسهامِ لحظٍ ما لهنَّ دواءُ

مَرَّتْ أوَانَ العِيدِ بَيْنَ نَوَاهِدٍ                                        مِثْلِ الشُّمُوسِ لِحَاظُهُنَّ ظِبَاءُ

فاغتالني سقمِى الَّذي في باطني                                         أخفيتهُ فأذاعهُ الإخفاءُ

خطرتْ فقلتُ قضيبُ بانٍ حركت                                     أعْطَافَهُ بَعْدَ الجَنُوبِ صَبَاءُ

bottom of page