النشأة
في بيئة مشبعة بالكآبة كما يصفها القصيبي كانت ولادته التي وافقت اليوم الثاني من شهر مارس عام 1940 ذلك الجو الكئيب كانت له مسبباته، فبعد تسعة أشهر من ولادة غازي توفيت والدته، وقبل ولادته بقليل كان جده لوالدته قد توفيَ أيضاً وإلى جانب هذا كله كان بلا أقران أو أطفال بعمره يؤنسونه، في ذلك الجو، يقول غازي: «ترعرعت متأرجحاً بين قطبين أولهما أبي وكان يتسم بالشدة والصرامة (كان الخروج إلى الشارع محرّمًا على سبيل المثال)، وثانيهما جدتي لأمي، وكانت تتصفُ بالحنانِ المفرط والشفقة المتناهية على (الصغير اليتيم)» ولكن لم يكن لوجود هذين المعسكرين في حياة غازي الطفل تأثير سلبي كما قد يُتوقع بل خرج من ذلك المأزق بمبدأ إداري يجزم بأن «السلطة بلا حزم تؤدي إلى تسيب خطر، وأن الحزم بلا رحمة يؤدي إلى طغيان أشد خطورة» هذا المبدأ، الذي عايشه غازي الطفل طبقه غازي المدير وغازي الوزير وغازي السفير أيضاً فكان على ما يبدو سبباً في نجاحاته المتواصلة في المجال الإداري، إلا أننا لا ندري بالضبط، ماذا كان أثر تلك النشأة لدى غازي الأديب.
التعليم
لم يستمر جو الكآبة ذاك ولم تستبد به العُزلةُ طويلاً بل ساعدته المدرسة على أن يتحرر من تلك الصبغة التي نشأ بها ليجدَ نفسَه مع الدراسة بين أصدقاء متعددين ووسط صحبةٍ جميلةٍ. في المنامة كانت بداية مشوارهِ الدراسي حتى أنهى الثانويّة، ثم حزمَ حقائبه نحو مصر وإلى القاهرةِ بالتحديد وفي جامعتِها انتظم في كلية الحقوق، وبعد أن أنهى فترة الدّراسة هناك والتي يصفها بأنها غنية بلا حدود ويبدو أنها كذلك بالفعل إذ يُقال أن رواية شقة الحرية التي كتبها، والتي كانت هي الأخرى غنيةً بلا حدود تحكي التجربة الواقعيّة لغازي أثناء دراسته في القاهرة.
بعد ذلك، عادَ إلى السعودية يحملُ معه شهادةَ البكالوريوس في القانون وكان في تخطيطِه أن يواصل دراستَه في الخارج وأصرّ على ذلك رغم العُروض الوظيفية الحكوميّة التي وصلته وكان أهمّها عرضاً يكون بموجبه مديراً عاماً للإدارة القانونية في وزارةِ البترول والثروة المعدنيّة والتي كان يحمل حقيبتَها آنذاك عبد الله الطريقي إلا أنه رفضه مقدماً طموحَ مواصلةِ الدّراسةِ على ما سواه. كان أبوه حينها قد عَرَضَ عليه الدخول في التجارة معه ومع إخوتِهِ إلا أنه اعتذر من أبيه عن ذلك أيضاً فما كان من الأب شديد الإحترام لإستقلال أولاده كما يصفه ابنه إلا أن يقدّر هذه الرغبةَ بل وساعده عبر وساطاته بتدبير أمر ابتعاثه الحكومي إلى الخارج وهذا ما تم، وفي 1962 ونحو لوس أنجلوس في الولايات المتحدة الأميركيّة كانت الوجهة هذه المرة وفي جامعة جنوب كاليفورنيا العريقة قضى ثلاث سنوات تَتَوّجتْ بحصولِهِ على درجة الماجستير في العلاقاتِ الدوليّة.
وفي أميركا وأثناء دراسةِ الماجستير، جرّب غازي منصباً إداريا للمرة الأولى وذلك بعد فوزِهِ بأغلبيِةِ ساحقِةٍ في انتخاباتِ جمعيّة الطلاب العرب في الجامعة، وبعد رئاسته لها بأشهر أصبحت الجمعيّة ذات نشاطٍ خلاق، بعد أن كانت الفُرقةُ سمتها نظراً للوضع الذي كان يعيشه الوطن العربي آنذاك والذي يؤثر بالطبعِ على أحوالِ الطلاب العرب.
الشاعر والروائي والكاتب
كان للقصيبي ميول أدبية جادة ترجمها عبر دواوين شعر كثيرة وروايات أكثر وربما يعدّ بسببها أحد أشهر الأدباء في السّعودية، ويظل رمزاً أو نموذجاً جيداً لدى الشباب منهم، وكالعادة، فالمبدعين لابد وأن تحاصرهم نظرات الشك وتلقي إليهم تهم لها أول لكنها بلا آخر لا سيما وأن متذوقي الأدب قلة، ومحبي حديث الوعاظ المتحمّسين غالبية، وابتدأت تلك المشاحنات من جانب الوعاظ مع إصداره لديوانه الشعري الثالث معركة بلا راية عام 1970 إذ ساروا في وفود وعلى مدى أسابيع عدة نحو الملك فيصل لمطالبته بمنع الديوان من التداول وتأديب الشاعر فأحال الملك فيصل الديوان لمستشاريه ليطلعوا عليه ويأتوه بالنتيجة، فكان أن رأى المستشارون أنه ديوان شعر عادي لا يختلف عن أي ديوان شعر عربي آخر إلا أن الضجة لم تتوقف حول الديوان واستمرت الوفود بالتقادم للملك فيصل، فما كان منه سوى أن شكل لجنة ضمت وزير العدل ووزير المعارف ووزير الحج والأوقاف لدراسة الديوان أو محاكمته بالأصح وانتهت اللجنة إلى أن ليس في الديوان ما يمس الدين أو الخلق، ولا تمر هذه الحادثة في ذهن القصيبي إلا ويتذكر موقف الملك عبد الله بن عبد العزيز من هذه القضية إذ يقول غازي: «سمعت من أحد المقربين إليه أنه اتخذ خلال الأزمة موقفاً نبيلاً وحث الملك فيصل علـى عدم الاستجابة إلى مطالب الغاضبين المتشنجة»
فيما بعد توالت الإصدارات بين دواوين الشعر والروايات والكتب الفكرية ومن دواوينه الشعرية صوت من الخليج والأشج واللون عن الأوراد وأشعار من جزائر اللؤلؤ وسحيم وللشهداء، ومن رواياته شقة الحرية والعصفورية وسبعة وهما وسعادة السفير ودنسكو وسلمى وأبو شلاخ البرمائي وآخر إصداراته الجنية، وفي المجال الفكري له من المؤلفات التنمية، الأسئلة الكبرى والغزو الثفافي وأمريكا والسعودية وثورة في السنة النبوية، والكتاب الذي وثق فيه سيرته الإدارية والذي حقق مبيعات عالية حياة في الإدارة وكذلك كتاب الوزير المرافق الذي وثق فيه سيرته كمسؤول في وزارة من خلال بعثات الوفود الرسميّة ومرافقته للضيوف الرسميين، أحدثت معظم مؤلفات القصيبي ضجة كبرى حال طبعها، وكثير منها مُنع من التداول في السعودية لا سيما الروايات، ولا يزال فيها ما هو ممنوع حتى الآن.
وعلى المستوى الروائي يكاد يُجمع المهتمين بأن روايتي شقة الحرية والعصفورية هما أهم وأفضل وأشهر ما كتب القصيبي، في حين احتفظ ديوان معركة بلا راية بمرتبته المتقدمة بين دواوين الشعر الأخرى، وفي المؤلفات الأخرى يبقى حياة في الإدارة واحداً من الكتب التي حققت انتشاراً كبيراً رغم أن ثقافة القراءة كانت شبه معدومة حينها في المجتمع - نشر الكتاب عام 1998 وهو عام بائس في التاريخ السعودي انخفض فيه سعر برميل النفط إلى أقل من 10 دولارات - دائماً ما كان القصيبي منذ البدء متواصلاً مع المشهد الثقافي السعودي عبر إصداراته شبه السنوية، وأثار ضجة أخرى عندما قدّم لرواية بنات الرياض للروائية السّعودية رجاء الصانع وهي الرواية التي تواجه مصيراً يكاد يقترب من مصير معركة بلا راية عند صدوره.
المؤلفات
في الشعر
ورود على ضفائر سناء.
للشهداء.
الأشج.
سلمى.
قراءة في وجه لندن.
يا فدى ناظريك.
واللون عن الأوراد.
سحيم.
الإلمام بغزل الفقهاء الأعلام.
الروايات
العصفورية .
شقة الحرية.
رجل جاء وذهب.
سلمى.
حكاية حب.
سبعة.
كتب ومؤلفات متنوعة
الأسطورة.
التنمية
ثورة في السنة النبوية.
الخليج يتحدث شعراً ونثراً.
أبو شلاخ البرمائي.
وفاته
توفي عن عمر يناهز السبعين عامًا في يوم الأحد 5 رمضان 1431 هـ الموافق 15 أغسطس 2010 الساعة العاشرة صباحًا في مستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض بعد معاناةٍ طويلةٍ مع المرض.
أجملُ أبياتِهِ الشعرية
قل لها
قل لها .. إنه تأمَّل في دنياه
حـيـناً فـعاد يحضنُ دمعه
راعـه أنَّ عــمـره يـتلاشى
مثل ما تُخمد الأعاصير شمعةْ
وصباه يضيع منه .. كما ضاع
نداء.. تطوي المتاهات رجعه
قل لها .. إنّه يفيق على جرح
وتغـفـو سنينه فـوق لوعهْ
سكب الدهر من أساه رحيقا
فـتحساه جُـرعة إِثْـر جُرعهْ
قل لها .. إنه يهيم .. وأخشى
أن تواريه رحلة دون رجعهْ
و غدا..!
الدجى شوق و عطر و وتر
و دنا منا القمر
و امتطينا الحلم مهرا
و انطلقنا في متاهات القدر
لا تقولي الآن شيئا
طالما ضقت بحمل الكلمات
كاذبات.. خائنات.. خادعات
و لنعش أعنف أسرار الحياة
لحظة ما شابهتها اللحظات